فصل: القاعدة السادسة: في ضابط ما يجوز لله ويمتنع عنه نفيًا وإثباتًا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


القاعدة السادسة‏:‏ في ضابط ما يجوز لله ويمتنع عنه نفيًا وإثباتًا

صفات الله تعالى‏:‏ دائرة بين النفي والإثبات-كما سبق -فلابد من ضابط لهذا وذاك‏.‏

فالضابط في النفي أن ينفى عن الله تعالى‏:‏

أولًا‏:‏ كل صفة عيب كالعمى والصمم والخرس والنوم والموت ونحو ذلك‏.‏

ثانيًا‏:‏ كل نقص في كماله كنقص حياته أو علمه أو قدرته أو عزته أو حكمته أو نحو ذلك‏.‏

ثالثًا‏:‏ مماثلته للمخلوقين كأن يجعل علمه كعلم المخلوق أو وجهه كوجه المخلوق أو استواؤه على عرشه كاستواء المخلوق ونحو ذلك‏.‏

فمن أدلة انتفاء الأول عنه‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولله المثل الأعلى‏}‏ فإن ثبوت المثل الأعلى له وهو الوصف الأعلى يستلزم انتفاء كل صفة عيب‏.‏

ومن أدلة انتفاء الثاني‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 35‏]‏‏.‏

ومن أدلة انتفاء الثالث‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليس كمثله شيء‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏‏.‏

وبهذا علم أنه لا يصح الاعتماد في ضابط النفي على مجرد نفي التشبيه وذلك لوجهين‏:‏

الأول‏:‏ أنه إن أريد بالنفي نفي التشابه المطلق - أي نفي التساوي من كل وجه بين الخالق والمخلوق - فإن هذا لغو من القول إذ لم يقل أحد بتساوي الخالق والمخلوق من كل وجه بحيث يثبت لأحدهما من الجائز والممتنع، والواجب ما يثبت للآخر، ولا يمكن أن يقوله عاقل يتصور ما يقول فإنه مما يعلم بضرورة العقل، وبداهة الحس انتفاؤه وإذا كان كذلك لم يكن لنفيه فائدة‏.‏

وإن أريد بالنفي نفي مطلق التشابه - أي نفي التشابه من بعض الوجوه - فهذا النفي لا يصح إذ ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك يشتركان فيه، وقدر مختص يتميز به كل واحد عن الآخر فيتشابهان من وجه ويفترقان من وجه‏.‏

فالحياة ‏"‏ مثلًا ‏"‏ وصف مشترك بين الخالق والمخلوق قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وتوكل على الحي الذي لا يموت‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 58‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 31‏]‏‏.‏

لكن حياة الخالق تختص به فهي حياة كاملة من جميع الوجوه لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء، بخلاف حياة المخلوق فإنها حياة ناقصة مسبوقة بعدم متلوة بفناء قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏كل من عليها فان ‏.‏ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 26‏:‏ 27‏]‏‏.‏

فالقدر المشترك ‏"‏ وهو مطلق الحياة ‏"‏ كلي لا يختص بأحدهما دون الآخر، لكن ما يختص به كل واحد ويتميز به لم يقع فيه اشتراك وحينئذ لا محذور من الاشتراك في هذا المعنى الكلي، وإنما المحذور أن يجعل أحدهما مشاركًا للآخر فيما يختص به‏.‏

ثم إن إرادة ذلك ـ أعني نفي مطلق التشابه ـ تستلزم التعطيل المحض، لأنه إذا نفى عن الله تعالى‏:‏ صفة الوجود ‏"‏مثلًا‏"‏ بحجة أن للمخلوق صفة وجود فإثباتها للخالق يستلزم التشبيه على هذا التقدير، لزم على نفيه أن يكون الخالق معدومًا، ثم يلزمه على هذا اللازم الفاسد أن يقع في تشبيه آخر وهو تشبيه الخالق بالمعدوم لاشتراكهما في صفة العدم فيلزمه على قاعدته تشبيهه بالمعدوم فإن نفى عنه الوجود والعدم، وقع في تشبيه ثالث أشد وهو تشبيهه بالممتنعات لأن الوجود والعدم نقيضان يمتنع انتفاؤهما كما يمتنع اجتماعهما‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ إن الشيء إذا شارك غيره من وجه جاز عليه من ذلك الوجه ما يجوز على الآخر، وامتنع عليه ما يمتنع، ووجب له ما يجب‏؟‏

فالجواب من وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ المنع فيقال‏:‏ لا يلزم من اشتراك الخالق والمخلوق في أصل الصفة أن يتماثلا فيما يجوز ويمتنع ويجب، لأن مطلق المشاركة لا يستلزم المماثلة‏.‏

الثاني‏:‏ التسليم فيقال‏:‏ هب أن الأمر كذلك، ولكن إذا كان ذلك القدر المشترك لا يستلزم إثبات ما يمتنع على الرب سبحانه، ولا نفي ما يستحقه لم يكن ممتنعًا، فإذا اشتركا في صفة الوجود، والحياة والعلم، والقدرة واختص كل موصوف بما يستحقه ويليق به، كان اشتراكهما في ذلك أمرًا ممكنًا لا محذور فيه أصلًا، بل إثبات هذا من لوازم الوجود، فإن كل موجودين لابد بينهما من مثل هذا، ومن نفاه لزمه تعطيل وجود كل موجود، لأن نفي القدر المشترك يلزم منه التعطيل العام‏.‏

وهذا الموضع من فهمه فهمًا جيدًا وتدبره زالت عنه عامة الشبهات وانكشف له غلط كثير من الأذكياء في هذا المقام‏.‏